إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية الهايكو بين الالتقاط والافتعال/ عبد الجابر حبيب

الهايكو بين الالتقاط والافتعال/ عبد الجابر حبيب

حجم الخط

 

عبد الجابر حبيب[1]














الهايكو بين الالتقاط والافتعال


 

 تأملات في جوهر المشهد

 

في سعي فهم جوهر الهايكو، تتداخل المفاهيم بين التقليد والتجديد، بين التقاط اللحظة كما هي وبين محاولة منحها طابعاً مستعاراً لا يتناغم مع روح هذا الفن. لا يتعلق الأمر بالشكل فقط، بل برؤية متجلية في النص ذاته، دون الحاجة إلى تجميل أو تأويل مُصطنع.

 

عند العودة إلى الهايكو الياباني الأصيل، نجد أنه يعتمد على التقاط اللحظة بشكل عفوي، تلك اللحظة التي لن تتكرر بنفس التفاصيل، مع تكثيف لغوي يوازن بين البساطة والعمق. ومن هنا، لا يمكن أن يكون الهايكو سؤالاً أو احتمالات تُطرح، بل هو صورة مكثفة تفتح المجال للتأويل دون أن تفرض مساراً محدداً على القارئ.

 

النصوص الأصلية والتعديلات المقترحة

 

لنراجع بعض النصوص كنماذج للهايكو، ثم نعيد صياغتها بناءً على المفهوم الأصلي لهذا الفن.

 

١-

كتلة ضباب،

على شاطئ البحر

هل تمحو الجبل؟

 

هنا، يظهر مشهد، لكن السؤال في السطر الأخير يحول النص من مجرد التقاط اللحظة إلى تأمل غير حاسم، مما يخرج النص عن روح الهايكو التقليدي. كان يمكن للنص أن يكتمل دون طرح هذا السؤال، ليصبح:

 

النص المقترح من غير سؤال

 

كتلة ضباب،

على شاطئ البحر

تمحو الجبل

 

بهذا التعديل، نحافظ على اكتمال المشهد دون فرض سؤال على القارئ، مما يتيح للصورة وضوحها وعمقها معاً.

 

٢- النص الثاني المرفق بالسؤال

 

ألا تغلق النافذة

من صوت الرياح العاتية

يرتعب الصغير

 

مرة أخرى، يظهر السؤال في عبارة "ألا تغلق النافذة" تندرج ضمن صيغة الطلب، لكنَّها تحمل أيضاً لمحة من الترجي، خاصة إذا كانت النبرة أو السياق يوحيان بحاجة ملحة أو استفهام بلطف. ومع ذلك، يظهر السؤال في هذه العبارة ما قد يضع النص في سياق لا يتناغم تماماً مع طبيعته، حيث يُلتقط المشهد بشكل واضح لكن يُعطى صبغة من التردد. كان بإمكان النص أن يكون أقوى وأكثر تأثيراً إذا تمَّ إزالة السؤال، مما يتيح للمشهد أن يتحدث بذاته ويعزز من تأثيره دون تشويش على معناه المباشر.

 

التعديل المقترح:

 

إغلاق النافذة،

من صوت الرياح الباردة

يرتعب الصغير

 

بتلك الصيغة، نحصل على صورتين متداخلتين دون فرض سؤال على القارئ، مما يعزز من قوة المشهد وتأثيره.

 

الهايكو: اللحظة لا تحتاج إلى تفسير

 

ما يجعل الهايكو فناً فريداً هو أنه لا يسعى للإخبار، ولا يطرح أسئلة مباشرة، بل يترك المشهد مفتوحاً أمام القارئ ليعيش تجربته الخاصة. لذلك، فإن أي محاولة لفرض سؤال أو توجيه القارئ نحو إجابة معينة تخرج النص عن جوهره.

 

أما الغموض، فهو ليس في ترك الأمور غامضة، بل في منح المشهد مساحات واسعة للتفسير، بحيث يراه كل قارئ من زاويته الخاصة، كما في الهايكو الياباني الذي يعتمد على "اليوغن"، أي الغموض العميق الذي يفتح المجال للتأويل دون أن يُغلق باب الفهم.

 

ختاماً:

 

الهايكو لا يتطلب زخرفة أو محاكاة مفرطة تخرج عن طبيعته. إنه فن يعتمد على التقاط اللحظة كما هي، لا على تحويرها أو إضافة تفاصيل لا تليق بها. جوهره يكمن في بساطته وعمقه معًا، وهو ما يجعله يتجاوز كل محاولة لفرض تفسيرات موجهة أو مسارات محددة. في النهاية، يظل الهايكو كما هو، لحظة خام تلامس الوعي، وتفتح أمام القارئ عالماً من التأملات الشخصية التي لا تنتهي.

 

تنويه:

النصوص تم تأليفها وصياغتها من أجل المقال



[1] هايجن ومسرحي وباحث من سوريا


ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق