إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية من الهايكو إلى التصويرة: في مصوغ زيف التسمية

من الهايكو إلى التصويرة: في مصوغ زيف التسمية

حجم الخط


محمد بنفارس

من الهايكو إلى التصويرة

في مصوغ زيف التسمية

هايكو العالم محمد بنفارس- المغرب


كما هو معلوم، ظهر الهايكو[1] في اليابان بعد تطور غطى قرونا من التراكم الأدبي والشعري في البلاد التي لا تغرب عنها الشمس. واتخذ لنفسه اسم هايكو[2] وعرف به إلى يومنا هذا لاختلافه عما سبقه من شعر على مستويات اللغة والبنية والفنية والجماليات. ولذلك فالشعر شعر بنظمه ونثره، والهايكو هايكو بهويته وأدواته منذ هايكو الضفدعة[3]  ولاحقا عندما كرس النوع تحت تسمية: هايكو.


الهايكو نوع قائم بنسقه وليس بحاجة إلى معينات ودعم خارجي من أي نوع


يطلق البعض على الهايكو توصيف "قصيدة"، بينما يطلق عليه آخرون "مقطوعة" أو "تغريدة"[4]. وقد بات استعمال لفظ قصيدة هو التداول الشائع في الوقت الحالي عند القراء والهايجن والباحثين والنقاد.

فهل يرجع ربط القصيدة بالهايكو إلى رغبة في "الرقي" بالهايكو إلى مصاف الشعر أي إلى القصيدة الشعرية؟ أم هي نزعة إلى تذويب الهايكو في الشعر؟ خاصة إذا علمنا أن مصطلح القصيدة يرتبط تاريخيا وفي وجدان الشعوب ومنها العربية بالشعر. فعلى أصحاب هذه الفتوحات التي تراوح مكانها دون أفق أن يقتنعوا، وإلى إشعار آخر، أن الهايكو نوع قائم بنسقه وليس بحاجة إلى معينات ودعم خارجي من أي نوع، بل بات فارضا نفسه ويزاحم ويقلق في الساحة الأدبية العربية والعالمية، وقد تنبأ له نقاد بحضور ومستقبل واعد، ومنهم ما جاء على لسان محمد عضيمة في تدوينة له بصفحته الشخصية على الفيسبوك حين قال: " لا.. لا.. لا زمن الشعر ولا زمن الرواية ولا بطيخ.. إنه زمن الهايكو والقادم أجمل"[5]


 تحريف اسم الهايكو نزعة شخصانية لا تقوم على مسوغ بحثي أونقدي أومصطلحي


لقد ظهرت محاولات سابقة لقضم اسم الهايكو في أمريكا وفي البلاد العربية من بوب هايكو العم سام إلى هكيدة صحراء العرب، ولكنها منيت بفشل ذريع. والملاحظ أننا نعيش اليوم محاولات طائشة- باءت بالخيبة والانكسار في مهدها- تهدف إلى التغييب النهائي لاسم الهايكو من الملعب العربي، و"تأسيس" ما يسمى عند المؤسس الجهبذ: التصويرة، باسم التجديد أحيانا والتوطين أحيانا أخرى وصولا إلى التأميم باسم القبلية للنوع. إنها زعماتية لقيادة فتوحات فاشلة في نمط عصي على كل محاولات المسخ حتى ولو كانت من داخل اليابان نفسه. والمرجح، من خلال استقراء السياقات وواقع الهايكو عربيا، أنها تحريف اسم الهايكو نزعة شخصانية لا تقوم على مسوغ بحثي أونقدي أومصطلحي، الهدف منها إثبات تفرد ووجود ولو بإتيان باطل لن يصدقه عاقل ولو كان من نفس قبيلة الشيخ المؤسس.


المؤسس في اليابان والأخرق في بيداء العرب


على أن التأسيس المصطلحي والمفاهيمي، في أي مجال من المجالات، يحتاج فرشا نظريا ومنهجيا وخطوات تمثيلية وإجرائية. فما بالك في مجال إبداعي تطلب من باشو ومن معاصريه واللاحقين سنوات من البحث والعمل والمحاولة للوصول إلى ما وصلوا إليه من تاسيس وقواعد وتسمية. ما يعني أن الهايكو وتسميته ليسا وليدي الصدفة والمزاج وحماقة القيادة الخرافية، كما حصل عند صاحب وهم المتوهمين، الذي وهب نفسه المتضخمة بالخواء لقب: "مؤسس التصويرة". ولعل اخيار لقب "المؤسس" جاء قياسا على لقب (باشو المؤسس) وكأنه يوهم نفسه بمرتبة المعلم الأول: المؤسس في اليابان والأخرق في بيداء العرب.


قرصنة الهايكو تبدأ بالسطو على الاسم


ومن الغريب واللافت أنه، لا أحد في العالم ينافسنا في هذا الفتح الهايكوي العروبي الفريد. ما يجعلنا مرة أخرى أضحوكة في أوساط الهايكو العالمية. في هذا الصدد يقول الهايجن الراحل بريندون كينت ملمحا لمحاولات تهريب/ تغريب الهايكو تحت مسميات قداسة اللغة وقومية الانتماء: «إن قبولنا تمامًا لعزل البلد الأصلي عن البلاد الأخرى هو بالضبط ما سيدفع الهايكو في النهاية إلى العمل تحت الأرض مرة أخرى، في الوقت الذي ينبغي أن يكون الهايكو تجمعًا اجتماعيًا لشعراء العالم يتيح كسر قيود الحدود ومداواة جروح العالم في سلم ووئام. وأعتقد أن هذا هو الجوهر الحقيقي للهايكو اليوم" [6].  ما يجعلنا نجزم بأن عملية قرصنة الهايكو تبدأ بالسطو على الاسم واستبداله بآخر غريب في أفق عزله عن بلد النشأة ومن تم مسخه لخدمة أغراض شخصية وتجارية في طبع الورق وبيع أوهام الهايكو لمن يومن ويحلم بالوهم. ورأينا كيف تزف كتب القصيدة التصويرية في صحراء قاحلة وفارغة من النقاد، وبذلك يكون دعاة التصويرة قد قدموا أكبر خدمة على طريق تطوير وتوطين شيء غير موجود في الأدب العربي كبديل للهايكو. له وجود فقط في أوهام العريف "المؤسس". المؤسس، طبعا، لا يعي خطورة انتحال الاسم، والعبث بمطلح ضارب في التاريخ والثقافة لشعب اليابان، بل بات مكسبا إنسانيا متوافقا عليه كدلالة على فن من القول له مقوماته الخاصة تجعله مختلفا عما سواه من الوجيز وغيره من أجناس التعبير.


إذا كان من "توطين" عربي، فينبغي أن يتم عن طريق ضخ المكونات المحلية طبيعية كانت أم ثقافية


الهايكو ثقافة ونظام، هو نتاج تطور كبير وعميق في الذائقة والشعرية والفنية في البيئة اليابانية التي أنتجته. وإذا كان من "توطين" عربي، فينبغي أن يتم عن طريق ضخ المكونات المحلية طبيعية كانت أم ثقافية واستبعاد العناصر الغريبة/ الدخيلة مع الالتزام بمقومات النوع: المشهد الملموس، الإيجاز، اللغة المتداولة، البنية، الشعرية والجماليات، الإيحاء..

وفي نفس السياق، فالحفاظ على اللغة العربية، بحمولات المجاز وصباغة البلاغة وثرثرة التمطيط وشيوع تداول ضمير المتكلم ضمن نسقها كعنصر يمرر الوجدان والعاطفة وبكائيات الذات الشاعرة، ستكون مدخلا لمسخ الهايكو لأن النوع ينهض على لغة بسيطة تنفلت من عقال اللفظ الغريب والمنمق من الكلام وقداسة الكلمة. على أن حقل العنتريات اللغوية وبهلوانيات المحسنات اللفظية والأسلوبية هي الصورة الشعرية التي تشكل العمود الفقري للشعر.

ولإن بات الناس اليوم، في العالم، أكثر اقتناعا بتسمية الهايكو بكلمة "هايكو" فقط دون إضافات، فلست أميل لإرفاق كلمة "قصيدة" بالهايكو بالنظر للبعد التاريخي لمصطلح القصيدة وتداعياته على خصوصية الهايكو كفن قائم الذات. قد تعني كلمة "قصيدة" بناء متكاملا يتميز بالطول، بيد أن الهايكو يشكل أيضا وحدة منسجمة كاملة ولكنها تتميز بالقصر. وإذا كان ولا بد، فالأولى استبعاد لفظ "قصيدة" على نحو تام للأسباب التي ذكرناها، مع إمكانية تداول كلمة "مقطوعة" في إشارة إلى الإيجاز والوحدة التي تتضمنها.

لهؤلاء الذين ينشطون في إطار أجندة تخدم مصالح ضيقة تصل إلى حد محو اسم الهايكو واستبداله ب "التصويرة" أو "القصيدة التصويرية" وفصله عن أصوله اليابانية نقول: الهايكو كينونة بدلالات تاريخية وفنية وجمالية كونية، وهو أعمق بكثير من مجرد مشهد أو"تصويرة" تشكل منطلقا له. وعليه، فلن تستطيع أية تسمية مهما برق لمعانها من التشويش والبهتان من طمس الاسم الأصل، فبالأحرى تحييد النوع ولو بتحالف جماعة القصيدة ومريدي مؤسس "التصويرة".


الهايكو يأبى التهريب إلى القبيلة أوالتحنيط بتغييب التسمية


وعلى النشطين في فن الهايكو من هايجن وباحثين ونقاد وقراء أن يعوا مثل هذه النبوءات الخرافية، بل وأن يأخذوا مسافة من هرطقة حمقاء، بل ويقتضي الواجب التصدي لمسخ علني ومستفز تجاوز كل الحدود باعتماد الكذب على المغفلين وتغليط البسطاء ورشوة الطامعين في فتات شهرة مزيفة لن تبرح خيمة المؤسس المثقوبة، وتجييش ضعاف النفس والمريدين بماكينة الكولسة ومكر دس الفرقة بين الإخوة من نفس الدار والسب العلني والتآمر الخبيث. ومن ألاعيب المؤسس الأخيرة حشر أسماء هايجن، بعضهم نكن لهم كل الاحترام، إلى جانب كتبة الطابور الخامس من الزنقة الخلفية في كومة ورق تحت عنوان "التصويرة" بتوقيع "مؤسس التصويرة". فيعمد هؤلاء، بسذاجة أو علم وأحيانا بنزق واضح، على تسويق "التصويرة" بالنشر وإعادة النشر في مواقع التواصل. فيقدمون خدمة مجانية للمهرج المؤسس حينما يرى تصويرته تجول الصحراء العربية بدل اسم الهايكو الأصل والمركز. 

للتاريخ، ونأيا بالنفس عن المشاركة العارفة وغير العارفة، واحتراما للهايكو كإرث عالمي، أن يقوم الهايجن الدي يحترم نفسه بسحب اسمه من حزمة ورق تؤدلج وتسوق للتصويرة كبديل عن الهايكو.

الهايكو يأبى التهريب إلى القبيلة أوالتحنيط بتغييب التسمية، ولو بتصويرة مزيفة وضع تحتها أسماء كبيرة أو صغيرة، عارفة أو جاهلة، من تجميع "مؤسس" التصويرة الذي لا دراية له بالمفهوم ولا فرق عنده بين المصطلح وكلام السوقة.

(يتبع)


[1] نوع ابتكره واستقل به المعلم الأول ماتسو باشو (1644- 1694) عن غيره من الشعر والمقاطع والوجيز.

[2] اسم وضعه ماساوكا شيكي (1867- 1902)، ويعتبر أبا للهايكو الحديث.

[3] هايكو شهير لماتسوو باشو ترجم لعدة لغات

[4] اسم أطلقه محمد عضيمة في حوار له حول ترجمة كتاب"ماتسوو باشو الأعمال الكاملة" نشر بموقع جدلية 14 يناير2023.

[5] أكاديمي وجامعي سوري يقيم ويدرس الثقافة العربية باليابان، ترجم كتب ودواوين الشعر والهايكو من اليابانية إلى العربية،

[6]  بريندون كينت (1958- 2024)، هايجن وناقد بريطاني نشر في مجلات مرموقة وحاصل على عدة جوائز، من مقال مطول نشر بفضاء وموقع ومجلة" هايكو العالم https://www.haikuworld24.com/2024/12/approches-haiku.htmlHaiku World" في 14 دجنبر 2024بعنوان: منهجية التعليق وقراءة الهايكو


ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق