إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية الشعرية في الهايكو المعاصر/ Poéticité dans le Haiku Contemporain

الشعرية في الهايكو المعاصر/ Poéticité dans le Haiku Contemporain

حجم الخط

 

*Mohammed Benfares

*Angiola Inglese
















شعرية المناخات المشهدية

في الهايكو المعاصر

 


pareti bianche

nella sala d’attesa

memoria vuota

-

حيطان بيضاء

في غرفة الانتظار

ذاكرة فارغة



هايكو: أنجيولا انجليز- إيطاليا

ترجمة ومقاربة: محمد بنفارس- المغرب

 

في التقديم:


من نافلة القول التأكيد على أن مقاربة الهايكو تأتي باعتباره وحدة متكاملة، بحيث لا يمكن، بحال من الأحوال، فصل البنية واللغة والمكونات الشعرية والجمالية عن بعضها البعض. ولأغراض منهجية، سنقسم المقاربة إلى فقرتين قد تفصل وإن ظاهريا بين الشكل والمحتوى، ثم ننتهي إلى خلاصة.

المقاربة تعتمد نصا من الهايكو المعاصر وتخلص إلى مركزية شعرية المناخات في الهايكو بصيغتيه الكلاسيكية أو الحداثية أو أي صيغة أخرى. بل لا بديل عنها في أي عمل إبداعي على الإطلاق.

 

1.     في الشكل والبنية:

 

هايكو من ست كلمات لكل منها دور في النص دون التعكيز على الفعل، الأمر الذي اكسبه رشاقة وخفة تخدم التوليفة الموظفة بالنص. اعتمدت المؤلفة بنية من صورتين (توري -أواسه): صورة أولى "حيطان بيضاء" وصورة ثانية " في غرفة الانتظار ذاكرة فارغة"

لم تفصح الهايحن عن القطع، لربما تركت ذلك لذائقة أو حدس المتلقي. ولكن قراءة متأنية تملي وقفة طويلة بنهاية س1. هل كانت الإشارة للقطع بشكل صريح واجبة؟ لا أعتقد ذلك. ربما كان ذلك مفيدا في حصة تعليمية.

 

2.     في المتن وما وراءه:

 

انطلقت الشاعرة من صورة موضوعية (حيطان بيضاء) وانتهت مركزة بزوم على مستوى القفلة بصورة ذاتية (ذاكرة فارغة) التي تشكل بؤرة الهايكو. أما السطر الوسط (في غرفة الانتظار) فيجسد مكان الحدث. على أن اختيار بنية التوليف لم يكن اعتباطيا، بل أملاه إبراز تقابل الموضوعي المادي (حيطان) مع الذاتي الإنساني (ذاكرة).

تنقل انجيولا انجليز تجربة شخصية بمستشفى أو مصحة بتنح واضح. ولكن ما هي هذه الخبرة التي تود مشاركتها؟

لنركز على البنية: ما هي العلاقة الممكنة بين الموضوعي/ المادي س1 والذاتي/الإنساني س3؟ إنه اللاشيء على الحيطان واللاشيء في الذاكرة: حيطان بيضاء = ذاكرة فارغة. كلمة"حيطان" تسمي المادة الجامدة التي لا هوية لها ولا حياة، بينما كلمة "ذاكرة" مشحونة وجدانيا كعنصر لصيق بالإنسان وخزان أساسي للذكريات والمعلومات من أجل استمرار الحياة الطبيعية. السطر الثاني " في غرفة الانتظار" يعزز توليفة المقابلة كفضاء عمومي لا نحس بالانتماء إليه، مكان مشحون وجدانيا بالانتظار والترقب والقلق. وهي الأحاسيس التي قد تنتاب كل المتواجدين به من مرضى ومرافقين، وكل من خبروه كمكان للانضباط والعزلة والمجهول..

إلى من ترجع الذاكرة في النص؟ لعل الهايجن تتوق إلى إيصال، بكثير من الإيحاء، حالة الضياع وخبرة الغيبوبة التي خبرتها في مكان ترقد به شخصية نتصورها عزيزة عليها وأنها في مرحلة متقدمة من المرض، أو فجعت بخبر رحيلها النهائي (وهو الأرجح) لهول الصدمة التي أدت إلى فقدان الذاكرة على نحو كلي، وهي حالة شبه احتضار معلق أو نهاية حقبة وبداية أخرى مؤلمة. وقد نعمم تلميحا إلى هشاشة الإنسان في مواجهة الآفات الطبيعية ومنها المرض والموت.

وأنا اطالع النص أجد نفسي منخرطا في جو الهايكو وفي حالة تضامن إنساني مع الهايجن وهي في موقف المجهول المرعب. ما يجعلني أميل إلى أن الهايكو، برغم تصنيفه بالمعاصر، لا يخلو من شعرية المناخات المشهدية التي يلعب فيها الوجدان دورا حاسما. 


3.     على سبيل الختم:

 

بلغة بسيطة ومتقشفة، وبنية محكمة، جاء الهايكو باسلوب حداثي يدمج بين الموضوعي والذاتي في الحياة اليومية، ولكن بشعرية مناخات حسية مؤثرة جعلتنا ننخرط ونتعاطف تلقائيا مع حالة إنسانية مفجعة تؤشر لواقع الضعف والمصير الإنساني المشترك.

 على ن الشعرية هي لب أي عملية إبداعية في أي نمط من أنماط الاشتغال. فتسطيح الهايكو باسم المعاصرة والثورة على القديم والإتيان بالجديد بأدوات من خارج الهايكووروحه يجد نفسه تيارا شارف أوقد وصل إلى الباب المسدود وانعدام أفق إحداث خرق له ما بعده.



تعليق واحد
إرسال تعليق
  1. قراءة رائعة حقا، أرى اننا بحاجة ماسة لها، لما فيها من تحليل وعمقق جذاب.
    ارجو ان نقرأ المزيد من هذا الجمال والإبداع

    ردحذف