ليلى برني |
محمد بنفارس |
هايجن من العالم
_
شكل البنية
في خدمة شعرية المناخات
حياةٌ أخرى
تنبعث من سرير
وادٍ مهجور
هايكو: ليلى برني- المغرب
مقاربة وترجمة: محمد بنفارس- المغرب
كم نحن بحاجة اليوم إلى التأني والقيام بخطوات إلى
الوراء. قد يكون الهايكو بمثابة استراحة نحن في أمس الحاجة إليها في خضم وثيرة
حياة مزدحمة ومتقلبة. إن ممارسة الهايكو فرصة لإعادة التواصل مع محيطنا والإنصات
لذواتنا لتحقيق نوع من التوازن بين التأمل ومشاغلنا التي لا تنتهي.
في الموضوع
هايكو مسترسل من صورة واحدة. وهذا الاسترسال ليس
اعتباطيا، بل هو خيار/ قرار يخدم الدينامية الداخلية ويشي بزخم حياة متأهبة
ومتجددة بعد توقف لا نعلم أسبابه ولا ندري كم طالت مدته. ينطلق النص من فكرة ذهنية
عامة "حياةٌ أخرى" (مصدرها عناصر الحياة المضمرة في النص: نبات، طيور،
ألوان، حركة، أصوات...) إلى عنصر ملموس عبر زوم ضيق إلى "وادٍ مهجور".
وإذا كان توصيف الوادي بالمهجور يحيل، في الغالب، إلى نوع من الوحشة والفراغ
والوحدة وربما الخوف أيضا، فإن الوادي هنا مصدر خضرة وتنوع يعج بالحركة والحياة.
وربما كان غياب النشاط البشري بمثابة "بركة" سمحت للوادي باسترجاع
أنفاسه من عنف الاستغلال والتدمير. ويلاحظ أن المفارقة المتولدة من مقابلة السطر الأول (حياة أخرى)
والسطر الأخير (واد مهجور) تجد صدى لها في السطر الوسط عندما (تنبعث من سرير...)،
ما يعني أن إرادة الحياة في الطبيعة هي من القوة بحيث تسمح بالتجدد والاستمرارية.
ولأنه ليس من مقومات الهايكو الشرح والتوضيح بل
الإشارة والتلميح، فلا معلومة عن سبب الهجرة من الوادي، غير أن ما يستشف من النص
باستعمال كلمة "أخرى" التي تفيد ضمنا أن مظاهر الحياة كانت قد انمحت
تماما من الوادي بفعل فاعل، والتي لا يرجح أن تكون من فعل الطبيعة، بل راجعة
لعوامل بشرية.
من جانب آخر، قد تبدو كلمة سرير. س2) زائدة بحيث
يمكن الاستغناء عنها دون تأثير يذكر على مجمل النص،
أو قد تبدو ذات توظيف مجازية: لا هذا ولا ذاك. فالكلمة تدل هيدروليكيا على مجرى الماء
(lit) في
الوادي. وإذا حلق الخيال ببعض الإيحاءات الايروكيتية،
فليكن طالما السرير هنا هو مكان تلاقح ومصدر ولادة.
إن منسوب الإضمار واليوغن (Yugen)
المفتوح على الأسئلة والتامل والإيقاع الانسيابي المتواصل برفق مع المحيط الطبيعي، وقدرة
الهايجن على أن يكون خارج المشهد لغويا وداخله بوجدان منبهر في آن واحد، هذه
العوامل مجتمعة ارتقت بهذا النص السلس إلى هايكو بشعرية مناخات مشهدية ساحرة تأخذ
القارئ إلى أجواء ريفية هادئة في فصل انبعاث وتجدد.
2
الهايكو عند ليلى برني
ليلى برني
تزاوج في الكتابة بين لغتين: العربية والفرنسية، ما منحها اطلاعا مباشرا على
الثقافة الغربية وما حصل ويحصل من تطورات في الهايكو هناك، خاصة عبر مشاركتها في
مسابقات هايكو مع هايجن من العالم ونشر نصوصها في مجلات محترمة تهتم بالنهوض
بثقافة الهايكو بين عشاق هذا الفن وبين الناس عامة، ما أكسب لغتها خفة وذائقتها رشاقة
وأسلوبا أكثر تحررا من ألاعيب المجاز في الإيهام بما ليس واقعا ومنع الحواس من
التعامل مع الطبيعة والمحيط على نحو ملموس وتلقائي وواع.
من جانب آخر،
فإن ليلى برني تستقي مادتها الشعرية من الطبيعة ومن الحياة اليومية. بذلك يكون
الهايكو عند برني قد مازج بين حاضنته الأولى (الطبيعة) وبين الحياة العصرية (المدينة)
مع مراعاة مقومات النوع الشعرية والجمالية من مشهدية وبنية واختزال وإضمار وخلو من
بهارات التنميق والتدليس اللفظي والمجازي.
من نصوص ليلى:
مدٌّ بحريّ -
إلى العمق تتسرّب
أطراف موجة
*
ليل بارد -
آخذة في الذبول
زنبقة المحطة
*
أسود
ظل الفراشة
البيضاء
شروقٌ
على بعضها تتمايل
ظلال أشجار
*
ضبابٌ كثيف -
خلف الزجاج أشجار
بلا جذوع
*
حائط مقبرة-
بالطبشور يرسم شاشة
طفل الشارع
*
شتاءٌ دافئ -
فوقَ غصنَين عارِيين
قمرُ الرّابع عشَر
*
باهتة
ظلال الأشجار
عند المغيب
*
زنبقة
إلى الأرض يمتدّ
ظلّ نحلة
*
حياةٌ أخرى
تنبعث من سرير
وادٍ مهجور
من ترجمتي إلى العربية:
Piste cyclable
seules les voitures
à vive allure
-
ممر الدراجات الهوائية
فقط تمر مسرعة
السيارات
*
1, 2, 3 kilomètres
sur mon vélo
d’appartement
-
كيلومترات1،2،3
وأنا اركب الدراجة
في شقتي
*
1,2,3
après l'orage je compte
les arbres
-
1،2،3
بعد العاصفة أعد
الأشجار