![]() |
محمد بنفارس* |
أطروحات الهايكو في الجامعات العربية
بين التكتم والتوجس
يبدو أن البعض يغرد خارج السرب، فتراه يأتي بتصنيفات وأحكام وتقييمات خرافية، فهي تتناقض مع الأرقام والوقائع على الأرض. فحركة
التاريخ لا يمكن أن تحرفها نزعة ذاتية أو دس لمعلومة
خاطئة هنا وهناك بغرض التشويش ورسم فرادة شخصية تتدثر بالوهم والوصولية واقتناص
الفرص، وهي تمظهرات لفراغ أكاديمي ومؤسساتي صارخ عملا بمقولة" الغاية تبرر
الوسيلة" أو "الطبيعة تأبى الفراغ".
وفي ظل هذا الفراغ المهول، وهي فرصة استغلها البعض أسوأ استغلال، بدأنا نسمع، في الأعوام الأخيرة، على طول خارطة العالم العربي عن أطروحات جامعية لنيل رتب علمية وأدبية وفكرية كالإجازة (الليسانس) والماستر والدكتوراه في موضوع الهايكو. ولا يعرف عددهذه التقديمات ولا نوع الموضوعات المعالجة ولا المستوى المدرجة فيه.
شيء جميل أن يحظى هذا النوع من الكتابة الوافد
حديثا من اليابان إلى المنطقة العربية بهذا الاهتمام وبهذه الجرأة في تناول نوع
جديد في الشعرية العربية من حيث اللغة والبنية والتقنية والذائقة الشعرية
والجمالية. لقد اختلفت عناوين الأطروحات التي سمعنا بها ولكن الموضوع واحد يتعلق
بالهايكو على الساحة العربية.
من نافلة القول التذكير بأن من يقدم على هكذا بحث في مجال الهايكو في الساحة الشعرية العربية عليه أن يعمل على تجاوز سرد التطور التاريخي للهايكو ومرحلة التشخيص وذكر أسماء من هنا وهناك، ونص من هنا وهناك، وأن ينتقل إلى تناول الإشكالات التي يعرفها النوع عالميا وفي ردهات ومسالك اليابان نفسه، وتلك التي تعيق تطور وانتشار النوع عربيا، وطرح رؤيا ومقترحات عملية للنهوض بالهايكوالمكتوب باللسان العربي وتبسيطه ليصل لعامة الناس.
حبذا لو تم تخليص الأطروحات التي نسمع عنها من غباررفوف الجامعات ودائرة لجان الإشراف الرفاقي والإخواني السري
والعلني، وجل تلك اللجان تفتقد للمؤهلات العلمية والمعرفية وخاصة ما تعلق بالهايكو، وإطلاع
وتنوير الجمهور الواسع من القارئات والقراء والمهتمين بنتائج البحوث والخلاصات
التي توصل إليها أصحابها والتدابير والأفكار التي يقترحونها أو يرونها ناجعة حتى
يمكن الحديث عن هايكو عربي بخصوصيات عربية، وثانيا للخروج به من معترك التجاذبات الناتجة
غالبا عن الجهل وسوء الفهم وتضخم الذات والحروب الزعماتية التي تجري
في حلبة أندية الهايكو العربية وأطرافها. الأندية إياها تتوالد كالفطر في غياب رؤيا أو
مشروع تطويري من أجل النهوض بالهايكو المحلي حتى ينافس أو على الأقل يصبح في مصاف إشعاع الهايكو العالمي في ربوع العالم.
لقد سمعنا عن أطروحات بالمغرب والجزائر والعراق والسعودية
وفي أماكن عربية أخرى نال أصحابها درجات أكاديمية عليا وغالبا للترقي الإداري في
الوظيفة،كما يحصل في التخصصات الأخرى، وليس بغاية إثراء وتطوير البحث العلمي والإتيان بقيمة مضافة ترفع من جدية البحث. ولإنجاز هذه الأطروحات، طلب أصحابها مساعدات وتوجيهات
علمية ونصوص وقراءات هايكو من شعراء وهايجن وباحثين بوعد تمكينهم من نسخة من نتائج
البحث. ولكن ذلك لم يحدث. اختفى أصحاب وصاحبات الطلبات والالتماسات في الظلام
بمجرد حصولهم على الشهادة. ومن دون أدنى شك لن يشيروا إلى من قدم لهم المساعدة لا
في الحواشي ولا في الببليوغرافية ولا حتى في صفحة الشكر. على أن هذه البحوث اعتمدت في مرتكزها،
وهذا هو المرجح، على نقل
وترجمة ما نشر في النوادي والكتب وخاصة الأجنبية.
فهل هكذا يكون البحث العلمي والأمانة الأدبية
والعلمية؟ وما هي قيمة إجازة جامعية أو ماستر أو حتى دكتوراه في الهايكو، وما هي أهمية
هذه البحوث والعناوين إذا لم تأت بجديد ولم يكن لها أثر ومنفعة وجدوى في أوساط
الطلبة والهايجن والمهتمين من الكتاب والنقاد؟ وما معنى أن يقوم "باحث" بما
يسمى "بحثا" فيضعه تحت وسادته إلى إشعار آخر؟
إن إنجاز بحث في الهايكو، وهو مجال ما زال في
طور التشكل ومحط تجاذبات بل وتناقضات، ينبغي أن ينشر ويكون في متناول الناس عله
يكون مصدر منفعة حسب الحاجة إليه وما يكون قد أتى به من قيمة مضافة. وأرجح أن
السبب في ذلك
التستر والكتمان يعود إلى منحى النقل والتدوير والإلصاق الذي اعتمده أصحاب تلك "الأطروحات"
والخوف من افتضاح أمرهم، وخاصة ما تعلق منها بالجوانب التاريخية والنظرية
والأدبيات والسرديات ذات
العلاقة بالهايكو وضعف المنهاج والمقاربات المطبقة على النصوص، بل وضعف النصوص المختارة
نفسها. ساهم في هذا
الوضع وشجع عليه افتقار الجامعات العربية إلى أساتذة مختصين وباحثين مقتدرين في
نوع الهايكو، كما هو الشأن في اليابان وشرق آسيا والبلاد الغربية.
في كلمة، إذا كنا نسمع بألقاب أكاديمية أستفاد منها اصحابها عمليا في الترقي المعنوي والمهني، فلا أثر لما كتبوا في الساحة الهايكوية العربية.