إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية السببية لا تنتج هايكو/ La causalité n

السببية لا تنتج هايكو/ La causalité n

حجم الخط

 

M. Benfares-Maroc



السببية 

ليست من أدوات اشتغال الهايجن









 السببية لا تنتج هايكو 

 

نعود، مرة أخرى، لموضوع السببية لما تشكله من سوء فهم لروح الهايكو التي تنبذ أي إعمال للعقل والشرح والتفسير والتأويل وربط النتيجة بالسبب.

في كل يوم تطلع نصوص تحت مسمى هايكو أو في مسابقات هايكوية ومنها نصوص فازت في تباري هايكوي في خلط صارخ بين 3 بنيات مختلفة:


1 بنية تورى-أواسه  (Toriawase)

:

أو ما يمكن أن نطلق عليه بالتقابل أو التجاور، أي توليفة بين صورتين مختلفتين لا تربط بينهما أي علاقة منطقية لا على مستوى النحو واللغة ولا على مستوى المعنى والدلالة. ومن شأن هذه البنية، التي وضع أسسها في الهايكو المعلم باشو(1)، أن تتيح الوصول ذهنيا لصورة ثالثة أو أكثر عند الاستغراق في التأمل ومحاولة الربط بين كثلتي الهايكو:

أمثلة:

 

على غصن جاف

حط غراب وحيد/

مساء خريفي

2

خلوة الشتاء/

في عالم من لونِ واحد

صوت الريحِ

3

في بركة قديمة

نط ضفدع/

صوت الماء

 

نلاحظ أن باشو في نص الضفدعة بقي بعيدا عن أي تدخل في شرح سبب صوت الماء، بل اكتفى بنقل الحدث كما حصل.

 

2 بناء السببية (Causalité):

 السببية نظرية يعتمدها:

 - العلم لتفسير الظواهر الطبيعية أو الميكانيكية أو الاقتصادية أوالاجتماعية أو السلوكية.. 

- والفلسفة للبرهنة والتدليل 

- والنص الحجاجي للإقناع والتأثير على المخاطب.

هو بناء للتفسير والتوضيح وربط الأسباب بالنتائج أو النتائج بالمسببات. ومن مرتكزات هذا البناء العلاقة المنطقية بين جزأي الجملة تركيبا ومعنى بأداة معلنة أو غير معلنة تربط النتيجة بالسبب في عملية عقلانية تروم الشرح والتأويل العقلاني في جهد لإشراك المتلقي والتاثير عليه واستمالته.

ومن الأمثلة التي ترد في أندية الهايكو والكتب والمجلات والورق على أنها هايكو:

1

يبحث الفلاح

عن حشائش للنار( نتيجة)

برد شديد (سبب)

2

يوم العيد (سبب)

يرتدي الاطفال

كسوة جديدة (نتيجة)

3

صقيع ( سبب)

أفتح درج

اللباس الثقيل ( نتيجة)

4

حر شديد ( سبب)

تهاجر الطيور

شمالا ( نتيجة)


تعليق: في النصوص أعلاه نشتم رائحة التركيبة السببية، وهي توليفة من نتاج عملية عقلية تفسيرية تربط النتيجة بالسبب، ما يبعدها عن روح الهايكو التي تتسم بالعفوية والرسم الخالص بعيدا عن حشر أنفسنا في ماهية وصيرورة الأشياء. ما يجعلها (بصيغتها الحالية) من خارج تصنيف الهايكو.

 

3 بنية الترابط  (Corrélation)

 

وهي العلاقة التي تربط بين عنصرين، وكما تقترب من السببية وتفترق عنها فهي لا تنتج هايكو أيضا. وقد تأتي في نصوص موظفة أدوات مثل: كلما، عندما، حين، بمجرد (أو بدونها) ...

أمثلة:

 1

كلما عصفت بقوة

سقطت أوراق

التينة

2

يشتد الإعصار

تتغير تضاريس

الصحراء

3

حين طلوع الشمس

تنطلق أغاريد

الطيور

 

4 أختم بنصين من اليابان:


الأول: من تأليف أواجيما أونيتسورا(2)  وترجمة : محمد بنفارس - المغرب

 

حقول القمح الخضراء

القبرة تصعد ثم...

فجأة تنزل

 

تعليق: في هذا الهايكو الأصيل ببساطة الصياغة وعفوية التقاط المشهد، لم ينشغل الهايجن بتفسير سبب صعود أو نزول القبرة، بل صور اللحظة كما أثارته من دون تفتيش أو تدخل أو تساؤل أو محاولة فهم. ولو فعل اونيتسورا لكان ألحق ضررا فادحا بهذا الهايكو اللامع كالبرق.


الثاني: من تأليف إيسّا  كوباياشي (3) وترجمة: محمد عضيمة - سوريا

 

حتَّى البَقرةُ العَجوزُ

لها ذيلٌ

لكشِّ الذُّباب

 

تعليق: السخرية فن صعب ليس دائما في متناول كل من يكتب. السخرية لا تقوم على الاستعراض اللغوي أو القفشات الرخيصة، بل على صياغة مدروسة وفنية عالية وتلميح متقن:

في تخليده لهذه البقرة الجميلة، كاد هايكو إيسا أن يفقد بريقه لاعتماده السببية عندما قال: (لها ذيل: س2) وربط ذلك بقوله (لكش الذباب: س3).  ولولا دهاء وفنية إيسا الذي ضخ منسوبا عاليا من الدعابة والسخرية اللطيفة في أوصاله، لسقط في عسل السببية القاتل.


في الختم

الهايكو الجيد هو أن نتجنب التفسير والوقوع في براثين العقلانية، والاكتفاء بنقل الحدث كما هو وكما وقع دون تدخل بإعمال العقل وتوظيف العمليات الذهنية. في كلمة: السببية ليست من أدوات اشتغال الهايجن.

_

(1) ماتسوو باشو(  (1644-1694  ) شاعر ياباني مبتكر الهايكو كنوع مستقل ومعلمه الأول وصاحب مدرسة لتعليم الهايكو.

(2) شاعر ياباني (1661- 1738) عرف بحباة التسكع والتحرر من قيود الكتابة.

(3 ) شاعر ياباني من الاربعة الكبار (1763 -1827)، هو من وضع اسم الهايكو ويعتبر أب الهايكو الحديث متاثرا بالواقعية الغربية. 


ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق