إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية في شعرية المناخات المشهدية: مرتكز الوجدان

في شعرية المناخات المشهدية: مرتكز الوجدان

حجم الخط

 

محمد بنفارس*














مرتكز الوجدان

دعامة شعرية المناخات المشهدية


 

تشرين-

تمتمات الراعي:

مطر! مطر!

-

-octobre

:le berger murmurant

!pluie! pluie

-

-octubre

:el pastor murmura:

¡lluvia! ¡lluvia!

-

-october

:the shepherd mutters

!rain! rain

 

 

هايكو: عمر الخوالدة - الأردن

*ترجمة ومقاربة: محمد بنفارس- المغرب

 

نص توليفي بقطع صريح يضعنا في قلب أجواء خريف جاف (تشرين / أكتوبر، س.1) وشح الماء (مطر مكرر س.3) خاصة بالنسبة لراع يتوقف كسب عيشه على الغيث والعشب.  نحنبواقع حالة وجدانية تطال الناس في الجغرافيا التي تعرف شحا في التساقطات. إنها صورة لعلاقة الإنسان بالكون، في سيرورة الحياة والطبيعة: ندرة الماء من جهة، وطول الانتظار والطلب من جهة أخرى.


إن اعتماد الإنسان على الموارد الطبيعة وصراعه من أجل البقاء قديم أزلي. بيد أن النص يحيلنا -ضمنا- إلى صراع غير متكافئ بين خريف جاف مسيطر من جهة، وفي الجهة المقابلة راع مستسلم لمصيره يكتفي بتمتمة لا تكاد تسمع ملتمسا الغيث على نحو ملح (مطر، مطر/ س.3).

هايكو يقوم على التقابل الدلالي وتناغم الإيقاع الموسيقي الداخلي مع الحالة الوجدانية للراعي. وتعمل البنية التوليفية التوري-أواسة  (Toriawase) المعتمدة على تجسيد التقابل بين:

-  الخارج : شهر تشرين وغياب المطر // الداخل : وجدان الراعي المنهك بالانتظار،

-  الطبيعة : فصل جفاف، شح المطر // إنسان : راعي ينتظر ويطلب المطر 

- الطبيعة: تتميز بالقوة والتأثير وعدم الاكتراث لحالة البشر// الإنسان: يتميز بالعجز ويكتفي بالانفعال وتوسل المطر،

- الخطاب غير المباشر (التعبير عن الموسم ووصف حركة الراعي) // خطاب مباشر (نقل مباشر لكلام الراعي : مطر! مطر!

- إعمال البصر والسمع بمزاوجة صورتين : بصرية// سمعية.


من جانب آخر، فإن الشكل (قصير/طويل/قصير) منح النص إيقاعا متدرجا من حالة طبيعية ساكنة ولكنها فاعلة ومؤثرة معبر عنها في كلمة واحدة موحية (تشرين = خريف=جفاف. س1) إلى حالة إنسانية (الراعي) منفعلة هشة تكتفي بالتوسل بصوت خافت (س .2+3).

كما أن تكرار (récurrence) بعض الحروف ووقع جرسها الخافت يشي بحالة الوهن التي يوجد عليها الراعي المسكين الذي لم يعد يقوى حتى على الكلام بفرط الصياح واستجداء السماء: (حرف التاء= 3 مرات / حرف الميم= 4 مرات). في حين تكرار كلمة مطر وحرف الطاء دي النبرة الصوتية العالية في أخر النص يبرز الحاجة الماسة لهذه المادة الحيوية، ليس فقط بالنسبة للراعي وقطيعه، وإنما في حياة الناس والحيوان والنبات جميعا، بل إن نطق المطر مرتين في أخر النص يؤشر على حالة من اليأس يختبرها الراعي وكل من هم على شاكلته من البسطاء حيث الماء يساوي عندهم البقاء.


نستخلص أن ما ورد في شأن البنية، يسمح بتأكيد وظيفة التوليف في الهايكو. فالمقابلة في الهايكو ليست وعاء فارغا أو شكلا تجميليا أو هيكلا مجانيا، بل خيارا يلجأ إليه الكاتب عن وعي لدواعي التناسب وللأثر الأكيد على الإيقاع والشعرية والجماليات.

من الواضح أن الراعي يمر بموقف عصيب من العجز التام والحاجة الشديدة للمطر أمام قوة الطبيعة، لذلك لا يسعنا إلا أن نتأثر ونتعاطف مع الراعي المسكين ونردد: "مطر! مطر!"


ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق