إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية أوراق في مقاربة الهايكو: ذ. عبد الجابر حبيب - سوريا

أوراق في مقاربة الهايكو: ذ. عبد الجابر حبيب - سوريا

حجم الخط


ذ. عبد الجابر حبيب *



في النص 

 ابحث عن الأشياء المسكوت عنها













الهايكو تحت مقصلة النقد


الوافد الجديد

لكل وافد جديد يأتي إلينا مؤيد، أو معارض حتى على المستوى الإنساني، والواقع الحياتي المعاشي  لأي إنسان، فكم من وافد إلى بلد ما ترك بلاده لسبب من الأسباب لم يكن مرحباً به بداية من قبل بعض الناس، ولكن بعدما قدم للبلد المهاجر إليه عصارة فكره، وعمله، وخبرته أصبح له مكانة مرموقة بين سكان ذلك البلد، هكذا كان حال الوافد الأدبي الجديد الذي يسمى بالهايكو إلى بلادنا، هناك من نظر إليه بعين الريبة، والشك لأنه غريب عن لغتنا، وفكرنا، وليس له إلا أن يكون يابانياً، رغم أن الجميع تبهرهم التكنولوجيا، و الصناعة اليابانية، ولكن الهايكو غير التويوتا، أو سوبارو ، أو أكيورا ماركات سيارات انتشرت بدون منافس لها في العالم، وما باناسونيك وراسونيك إلا أسماء يابانية لأفضل أجهزة التلفاز الموجودة في العالم، السؤال لماذا كان ذلك القبول اللافت على الصناعة اليابانية، ولماذا كان ذلك الفتور للأدب الياباني، إذاً هكذا هو العقل البشري لا يمكن أن تتحكم في شطحاته وانجراره وراء الهيستريا الجماعية. فما أن انتشر الهايكو في الغرب، وأمريكا حتى بدأ يغزو العالم العربي في العقدين الأخرين خاصة. رغم محاولات الشاعر عزالدين الناصرة وتوقيعاته الشبيه بالهايكو بأوائل الستينات من القرن الماضي.

 

مغامرة كتابة الهايكو

من مقولة يوسا بوسون سأبدأ " نؤكد أن البساطة التي يقوم عليها الهايكو بساطة خادعة تحمل في طياتها عمقاً، وتجاوز المألوف"

ولا يعني اختزال الهايكو بكلمات قليلة أنه إيحاءٌ يدل على سهولة كتابته كما تخيل عدد من الأدباء الذين سخروا من نص الهايكو القصير، و ما قول يوسا بوسون إلا رداً مناسباً لأولئك الذين حاولوا تقزيم نص الهايكو بحجة بساطة كلماته، وأنهم قادرون على كتابة العشرات من نصوص الهايكو في ساعة واحدة، وهنا يحضرني قول ستيفن هوكينغ" إن أعظم عدو للمعرفة هو ليس بالجهل إنما هو وهم المعرفة" تناسى أولئك الجهابذة أن نص الهايكو قد لا يأتي مادام هو لقطة، أو مشهد من الطبيعة في لحظة استثنائية، حتى لو تماشينا مع هؤلاء بكتابة أي نوع آخر للهايكو غير الكلاسيكي. كالشاسية. الجنداي .الموكى هايكو أو حتى السينريو، الم يقل ابن عبدالجبار النفري" كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة"

 

الهايكو بين السندان والمطرقة

بعد أن هدأت عاصفة الرفض من قبل المعارضين لقصيدة الهايكو، ونصب المؤيدون خيم اللجوء لهذا الوافد، وجلسوا على مائدة الهايكو لوضع الشروط المرفقة التي أرسلها لهم اليابانيون كالكيغو ـ التكثيف ـ التنحي ـ المجاز ـ الأنسنة ـ المشهدية ـ القفلة المدهشة، وغيرها من الشروط الواجب تطبيقها عند كتابة الهايكو، وإلا خرج النص من دائرة الهايكو إلى دائرة أي نوع آخر من الأدب الوجيز كالشذرة، والومضة، وإلخ...

تلك الشروط التي أعادت الصراع  إلى المربع الأول من جديد بين المهتمين بالهايكو،  الذين انقسموا إلى ثلاثة فرق لكل فريق رأيه ، ومع مرور الزمن ازداد الإلمام بالهايكو حتى أرخى الفريق الأول حبل الشروط بحجة أن جمال اللغة العربية هو في  استخدامها للمجاز، والاستعارة والكناية، وبقي الفريق الثالث متمسكاً برأيه السابق رغم أنهم قرأوا نصوصاً لعراب الهايكو في بعضها المجاز، أما الفريق الذي بقي الوسط فقد رأى أن المجاز لابأس به إن كان خفيفاً بحيث لا يثقل كاهل القصيدة وهكذا تستمر الخلافات حتى تحولت إلى حرب بلا هوادة بين أنصار الهايكو، وكمتابع للهايكو أرى أن جميع من حارب المجاز مثلاً يكتبون نصوصاً لم تخلُ بعضها منه، ومع ذلك تراهم يحاربون نصوص الآخرين باعتمادهم  على مقولة باشو" إن الوردة هي وردة في الهايكو وفقط" ولكني أُذكِّرهم بأحد نصوص باشو على سبيل المثال لا الحصر / مريض  وقت ترحالي ـ أحلامي تتجول طافية ـ في الحقول الذابلة/  أليس هنا إخلال بالشروط المفروضة

أولاً ـ /عدم التنحي أحلامي / ثانياً الأنسنة تتجول / ثالثاً المجاز.. طافية / ما أردت قوله: إن الهايكو الجيد يفرض إيقاعه على القارئ من خلال ذلك المناخ الشعري الجميل الخاص بالهايكو.

 

أين يكمن جمال الهايكو؟

إن جمال الهايكو يكمن في مهارة الكاتب باستخدامه تقنيات الهايكو، ومن يريد كتابة الهايكو لا تكفيه معرفة الشروط الآنفة الذكر، بل عليه أن يتعرف على التقنيات، فالكاتب الذي لا يعرف تقنيات الهايكو يكون كذلك الشخص الذي اشترى جهاز موبايل حديث، ولم يحاول معرفة تقنيات جهازه الجديد، ومواصفاته حتى يتمكن من استخدام المميزات الجديدة، وإن لم يستخدمها حينذاك أسأله لماذا اشتريت هذا الجهاز، ألم تشتريه لمميزاته الحديثة، وإلا لا فرق بين هذا الجهاز الجديد وجهازك القديم.

هكذا هو الهايكو، وعلى كاتب الهايكو أن يكون ملماً بتقنياته، وليس الهايكو رصف الكلمات في أسطر ثلاث هو التقنية التي تحدد أن نصك اصبح في بوتقة الهايكو كما هذا النص الذي مرّ من أمام كاميرا المراقب لشروط الهايكو .

حديقة الحي،

على الغصن المتمايل

تستمر الزقزقة

ما جدوى الكتابة عن نص لا يقول جديداً غير ما رأته عين الكاميراـ كاميرا الهايجن ـ

 

رفقاً بنقدك يا سيدي

إن لم تحب ورق العنب، فليس لأي طباخ ماهر أن يجعلك تقبل على تناول طبخه مادامت الطبخة ورق العنب، ومن يحب ورق العنب لا تحتاج شهيته إلى طباخ ماهر، ما أريد قوله ما لا يعجبك سيدي الناقد قد يعجب غيرك، وفي نقدك لا تفسر الأمر على هوى مزاجك وحدك، وكأنك الوحيد الذي له الرؤية النقدية، لقد قرأت النص من الزواية الأقرب لك بينما قرأ الآخر من زواية أخرى لم تستطع عيناك ما التقطته عيناه. وبهذا المعنى يقول الإمام الشافعي: رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"

وشتان بين النقد والتجريح، لِمَ لا تبحث عن مواقع انبثاق الضوء في النص بدلاً من أن تجهد نفسك بالغوص في بؤرة الظلام.

ابحث في النص عن الأشياء المسكوت عنها في النص فإن لم تجد الأزهار فيه بعينك، كان عليك أن تدرك أن العطر شعرك بالراحة لم يأتِ من الفراغ.

لِمَ لا نصنع جمهوراً من الشعراء يكتبون الهايكو ألم يعلق الياباني أياً كان نصه على الجدار، أو الشجرة ويمضي، ولا يخشى أنه خالف تعليمات باشو، لماذا نُقلِّم الأشجار قبل أوانها.

 _

*مسرحي وهايجن- سوريا ، في 6 - 3- 2024



ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق